في زحمة الأعياد، ما بين تكبيرات الفجر ورائحة العطور والبخور، يخرج هو من زحام التفاصيل الصغيرة إلى لحظة خاصة جدًا… لحظة إشعال “سيجار العيد”.
ليس السيجار مجرد لفافة تبغ؛ هو بيان احتفال، طقس رجولي، إعلان صامت أن العيد قد حل، وأن الحياة ما زالت تحتمل شيئًا من الفخامة والهدوء.
سيجار العيد لا يُشعل لأي أحد، ولا في أي وقت.
إنه للذي نجا من عامٍ ثقيل، وقام في الليل الطويل، وربما ضحّى بصمته في وجه الأيام.
يُشعل السيجار، لا ليغرق في الدخان، بل ليتنفس شيئًا من الكبرياء… ليتأمل.
جلسة السيجار ليست هراء، بل لحظة عزلة أنيقة في قلب الزحام،
لحظة تأمل في من رحل، ومن بقي، ومن يستحق أن نكمل معه الطريق.
سيجار العيد لا يعني أنه يحتفل وحده، بل يعني أنه لا يسمح لأحد أن يحدد له كيف يحتفل.
إنه لا يحتاج مهرجانًا ولا زينة، فقط دقيقة من السلام، ورشفة قهوة مرّة، و”سَحبة” طويلة تقول للعالم: أنا هنا… وما زلتأتنفس بشروطي
ليلة العيد، حين ينام العالم على وقع التكبيرات، ويُفتح باب السماء لضحايا الشوق، يجلس هو في ركنٍ هادئ من البيت. لا ضيوف، لا ضوضاء، لا أطفال يركضون بالحلوى في أيديهم. فقط هو، وصندوق خشبي أنيق فتحه كما يفتح بابًا سريًا إلى نفسه.
في الصندوق، يرقد “السيجار”، محنّطًا برائحة خشب الأرز، كأنه مخصص لهذه اللحظة فقط…
لحظة لا تقبل التزاحم، لا تُقاسم، ولا تُشرح.
هو لا يدخن في العادة، لا يعجبه الدخان، ولا تؤنسه السحب الرمادية.
لكن هذا السيجار تحديدًا… له طقسه. له وقاره. له روايته.
السيجار ليس للتباهي، ولا للعرض على مواقع التواصل، ولا ليقال عنه “كلاس”.
إنه رسالته إلى نفسه:
“نجوت… نجوت من عامٍ ثقيل، من ليالٍ بلا نوم، من وجوه خانت، ومن نفسك حين كدت تنهار.”
يشعل السيجار كما يشعل شمعة على قبر قديم.
يتأمل الدخان وهو يتصاعد ببطء… وكأن كل سحبة تسحب معها تعب عامٍ بأكمله.
سيجار العيد لا يُشعل احتفالًا… بل يُشعل اعترافًا.
اعتراف أنه عاش، خسر، قام، وتألم في صمت.
وأن العيد ليس بالثوب الجديد، بل بالنَفَس الذي ما زال يخرج منك دون مرارة.