الكاتب

Likes
3

الرصيف… مقهى الفقراء وملاذ الحكماء

في شوارع هافانا، حيث تتقاطع الأزقة الضيقة مع شرفات البيوت المتقشرة، وبين أصوات العصافير ونغمات الغيتار من بعيد، هناك مشهدٌ يتكرر كل صباح: رجل مسنّ يجلس على الرصيف، سيجار مشتعِل بين أصابعه، ونظراته تتبع المارّة دون استعجال… هذا المشهد ليس صدفة، بل هو طقس من طقوس الثقافة الكوبية، حيث يتحوّل الرصيف إلى مقهى الفقراء 

 

السيجار في كوبا ليس رفاهية، ولا حتى مجرد عادة. إنه إيقاع يومي، يرافق الصباح مع القهوة، والظهيرة تحت ظلال الشرفات، والمساء بجانب صوت الراديو أو حديث الجيران. هو جزء من الشخصية الكوبية، تمامًا كما هو جزء من اقتصادها وتاريخها.

 

ليس من الضروري أن يكون السيجار فاخراً أو من ماركة شهيرة، ما يهم هو لحظة الهدوء التي يصنعها، ودفء الدخان الذي ينساب كأنّه قصة تُروى.

 

الرصيف… حيث يبدأ الحوار وينتهي التأمل

 

في كوبا، المقاهي ليست دومًا من طراز فاخر، والكراسي قد تكون صندوق خشب أو حافة حجرية. الرصيف هو مكان اللقاء، لا يحتاج إلى دعوة، ولا إلى ثمن قهوة. تَجلس، تُشعل سيجارك، وتراقب الحياة.

 

هناك من يتحدث عن السياسة، وهناك من يروي حكاية من زمن الشباب، وهناك من يصمت تمامًا… فقط يُدخّن، كأن السيجار يفكّر عنه أو ينوب عن لسانه.

 

السيجار يوحّد ولا يُفرّق

 

على الرصيف، يجلس العامل إلى جانب الفنان، والسائح إلى جوار العجوز المحلي. السيجار لا يسأل عن الطبقة الاجتماعية. في لحظة التدخين، الكل متساوٍ، الكل حكيم، والكل فقير… لكن فقر الوقت، لا الروح.

 

الحكماء يدخنون ببطء

 

الكوبيون لا يدخنون السيجار بسرعة، ليس لأنه كبير الحجم فقط، بل لأنهم يفهمون أنه ليس شيئًا يُستهلك، بل يُعاش. كل نفخة تحمل معها استراحة من صخب العالم، وتذكيراً بأن الحياة ليست سباقًا، بل جلسة على الرصيف.

 

الخاتمة

 

الرصيف…، والسيجار ‏هو كوب القهوة الذي لا يبرد، وحديث لا ينقطع. في كوبا، تعلم الناس أن الجلوس بلا استعجال، وتدخين سيجار بهدوء، هو أعظم أشكال التأمل والامتنان. ومن لا يفهم السيجار، لا يفهم الرصيف. ومن لا يفهم الرصيف… لم يعرف كوبا حقاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top